نشر في : 2024-11-27
روحانيات ورمزيات بيت القديسة مارتا
مِن ثِمَارِهم تَعرِفُونَهم. أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ أنفَعُهُم للناس. في الحقيقة؛ أُحِب أنْ أبدأَ مقالتي المتواضعة هذه بهاتين المقولتين الجميلتين الرقيقتين؛ الأولى من كلام سيدنا المسيح، عيسى عليه السلام في إنجيل متَّى في موعظته الشهيرة بـ ”موعظة الجبل“(16:7)، والثانية من كلام سيدنا محمد عليه السلام، حيث جاءَه سائل يسأله ويقولُ له: يا رسولَ الله: أي الناس أَحَبُّ إلى الله؟ فرد عليه بقولته الخالدة: "أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ أنفَعُهُم للناس".
كان اللقاء جميلًا وأخويًا وفي جو مفعم بالحيوية والمحبة والصداقة، وفي مكان كل شيء فيه من حولنا يحمل رمزية كبيرة. فلقد تلقيتُ بكل فرح وسرور دعوةَ أخي العزيز الفاضل، الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد - السكرتير الشخصي السابق لقداسة البابا فرنسيس ورئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية وعضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية – وذلك من أجل حضور مباركة البابا فرنسيس لعيادتين متنقلتين قد تم إهداؤهم إلى مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية لخدمة شعب مصر الكريم. وقد تم الإهداء من جمعيتين؛ الأولى: Bambino Gesù del Cairo Onlus، والثانية: Hospitals Without Borders.
ولقد أتت خواطر كثيرة في عقلي وقلبي أثناء هذا اللقاء الفريد في بيت القديسة مارتا – حيث يسكن البابا فرنسيس بحاضرة الفاتيكان - وذلك يوم الأربعاء الماضي والموافق 20 نوفمبر 2024. ويأخذ البيت اسمه من تلك القديسة التي اشتهرت بحسن الضيافة. ولنفس الرمزيات السابقة، فقد فضَّل البابا فرنسيس الإقامة فيه منذ توليه مهمة البابوية عام 2013. ويَعتبرُ البعض أن إقامة البابا فيه الآن رسالة ورمزية لعهد جديد؛ عهد البساطة داخل الكنيسة الكاثوليكية، حيث يريد البابا إشعار الجميع بهذا المناخ الأخوي والأسري أثناء الضيافة، والتقليل قدر الإمكان من الرسميات، وهذا يتناسب ويتوافق تمامًا مع شخصية قداسته حيث اختار من البداية الانحياز إلى البساطة وإلى الفقراء والمحتاجين، وذلك منذ الحظة الأولى في بداية حبريته واختياره اسم القديس فرنسيس الأسيزي (Francesco d’Assisi) والذي كان يدعو إلى البساطة والمحبة واحترام جميع الأديان.
هذا وقد حضر اللقاء ممثلون دوليين لمؤسسات وجمعيات من أنحاء كثيرة من العالم، ومن مصر تواجدت وزيرة الهجرة السابقة؛ سيادة السفيرة، نبيلة مكرم، وسيادة السفير: محمود طلعت سفير جمهورية مصر العربية لدى الفاتيكان، ونائبه تامر شاهين، والأستاذ ماجد حنا، والأستاذ مايكل لحظي جيد.
وقد قام البابا فرنسيس بإلقاء كلمة مهمة، قال فيها:
"أشكر جميع الأشخاص والمنظمات الذين عملوا وساهموا في إنشاء هاتين العيادتين المتنقلتين اللتين ستوفران المساعدة والرعاية للعديد من الأطفال والمرضى وتعكس روح وثيقة الأخوة الإنسانية. يسعدني أن أرى مستشفى بامبينو چيزو ومستشفى چيميلي والسلطات الإيطالية والجمعيات والمؤسسات الأخرى تتعاون معًا في هذا مشروع الرائع. إنني أشجعكم على مواصلة دعم هذه المبادرات الخيرية الملموسة، والتي يقوم بتنفيذها الأب يوأنس لحظي جيد (رئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية). أحيي بكل مودة جميع الحاضرين والوفود القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ومصر والأرجنتين وإيطاليا. ليبارككم الرب ولتحرسكم السيدة العذراء تحت عباءتها الأمومية وأرجوكم أن تصلوا من أجلي!".
وحث قداسته الجميع على بذل مزيد من الجهد، وعدم التوقف عن هذه الأعمال الخيرية الطيبة، طالبًا منَّا جميعًا الدعاء له، وهذا تواضع كبير منه، وقد خرج الجميع فعلًا بقناعة واحدة وهي أن: الأخوة الإنسانية في أرقى معانيها هي طوق النجاة للجميع. وقد تم الإعلان أثناء هذا اللقاء عن بُشرى من مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية لأهلينا بمصر، وهذه البشرى عبارة عن إنشاء أول فرع من مستشفى Bambino Gesù الإيطالية خارج إيطاليا وسيكون ذلك في مصر، وهي مستشفى مهمة جدًا لعلاج الأطفال، وتحظى في إيطاليا بسمعة طيبة وذلك نظرًا لدقة تخصصها في علاج الامراض النادرة والوراثية.
وفي الحقيقة؛ يُعدُّ هذا الحدث المهم اليوم، امتدادًا لمشروع أكبر وهو مشروع ووثيقة الأخوة الإنسانية والتي تم توقيعها من قِبَل فضيلة مولانا الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، وذلك في 4 فبراير 2019 على أرض دولة الإمارات العربية الشقيقة، حيث تُعتَبر هذه الوثيقة التاريخية حدثًا فريدًا من نوعه في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية.
وفى الختام؛ أحب أن أختم حديثي بآية وردت في رسالة يوحنا الأولى في العهد الجديد حيث تقول الآية: "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (18:3)، وبالفعل؛ فإن الوطنية الحقيقية تظهر بالثمار وليس بمجرد الأقوال، فالأفعال دائمًا أبلغ من الأقوال. وإنَّ من أهم رسائل هذا الحدث أيضًا - ومن وجهة نظري الشخصية - أن أبناء مصر في الخارج مسلمين ومسيحيين وبرعاية سفارتهم يقفون جنبًا إلى جنب دعمًا لوطنهم الأم؛ ولذا أتوجه من كل قلبي لتقديم الشكر العميق لأخينا الفاضل، الأب يوأنس على كل هذه المجهودات الكبيرة في خدمة بلده ووطنه مصر، وكذلك جهوده في مسألة التقارب المسيحي الإسلامي وخاصة على مستوى الأزهر والفاتيكان، ولا ننسى أنه أحد مهندسي وثيقة الأخوة الإنسانية؛ ولذلك نشد على يديه ونقول له: "نحن معك من أجل خدمة أهلِينا بمصر بكل ما نملك من قوة، ومن أجل علاقة أفضل وتعاون وتقارب بين الإسلام والمسيحية، ومن أجل الأخوة الإنسانية". وأختم هذه السطور سائلًا المولى جل وعلا وراجيًا منه أن يتقبل منا جميعًا صالح الأعمال، وأن يرزقنا السلام والطمأنينة والسكينة في قلوبنا، وأن يمنح العالم بأسره الأمن والأمان، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
بقلم فضيلة الإمام: محمد حسن عبد الغفار شيحة
إمام المركز الثقافي الإسلامي للأخوة الإنسانية ومبعوث الأزهر الأسبق للمسجد الكبير بروما وعضو لجنة المستشارين بمؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية.
روما 25 نوفمبر 2024
القاهرة، ٢٠ مارس ٢٠٢٥– تحت مظلة التحالف الوطني للعم...
عرض المزيدتم افتتاح عيادات الأخوة الإنسانية بالمستشفى الإيطالي ...
عرض المزيدمنح رئيس الجمهورية الإيطالية السيد سيرجيو ماتاريلا لق...
عرض المزيدروحانيات ورمزيات بيت القديسة مارتا مِن ثِمَارِهم تَع...
عرض المزيد